الدعم العيني والدعم النقدي
دعونا نتفق أولا أن الدعم بصفة عامة عيني أو نقدي هو أحد الوسائل التى تستخدمها الحكومات للتخفيف عن كاهل الفقراء وذوى الدخول المحدودة وتقليل إحساسهم بالفقر، وذلك بتأمين الحد الأدنى اللازم لمستوى معيشتهم.
يتم تحقيق ذلك بتوفير السلع والخدمات للفقراء بأسعار تقل عن أسعارها الحقيقية لضمان الحد الأدنى لمستويات التغذية الصحية اللازمة لكى يبقوا أصحاء.
الفرق بين الدعم العيني والدعم النقدي |
ويعد الدعم الحكومى بكل أنواعه عيني ونقدي من أدوات السياسية الإنفاقية التي تتبعها حكومات بلدان الدول النامية لتقليل التفاوت فى توزيع الدخول ومساعدة الأفراد والأسر الفقيرة فى توفير إحتياجاتها الأساسية من السلع والخدمات.
ولأن معاناة الأسر الفقيرة لن تتمثل فقط فى إنخفاض الدخل وعدم القدرة على إشباع الحاجات الضرورية من السلع الأساسية، فعادة مايمتد الدعم الى الرعايه الصحية وتوفير مستوى مناسب من التعليم والسكن، وهكذا تطورت منظومة الدعم فى الكثير من الدول من مجرد توفير الإحتياجات الأساسية الى تحسين البيئة المعيشية لهم وتنمية مهاراتهم، والدعم إما يكون فى شكل عيني أو فى شكل نقدي
ماهو الدعم العيني ؟
يعد الدعم العيني، من الأشكال المفضلة فى العديد من
البلدان، خصوصا تلك التى تعانى من إرتفاع مستويات التضخم والذى يخفض من القيمةالحقيقية للعملة الوطنية، ويأخذ هذا النوع من الدعم عدة أشكال هى:-
دعم الغذاء
دعم الغذاء هو اكثر اشكال الدعم العيني شيوعا، ويتم تقسيم دعم
الغذاء الى ثلاث انواع رئيسية وهى
1- دعم البطاقات التموينية
(Rationed Subsidies)
والتي تتضمن قيام الدولة بتوفير وتوزيع
العديد من السلع الأساسية بأسعار تقل عن سعر السوق مثل الأرز والسكر والزيت وغيرها، ويتناسب توزيع هذه السلع مع
عدد أفراد الأسرة بحيث يكون لكل فرد حجم معين من هذه السلع ( وهو النظام المتبع فى
مصر).
2- كوبونات الغذاء
(Stamps Food)
كوبونات الغذاء هى احد اشكال الدعم العيني، حيث تحصل الفئات المستهدفة على عدد
محدد من الكوبونات ذات قيمة نقدية محددة تمكنها من الحصول على مجموعة من السلع
بالاسعار السائدة فى السوق وهذا بغرض عدم حدوث تشوهات سعرية فى أسعار السلع فيكون
لها سعر واحد فى السوق .
3- برامج التغذية المكملة Feeding Supplementary Program
هى الشكل الثالث من اشكال الدعم العيني، والتى تأخذ شكل توزيع وجبات مدرسة وأغذية
تستهدف فئات بعينها خصوصا فى مدارس التعليم الأساسى.
دعم الطاقة
وهو نوع من انواع الدعم العيني الذى تقدمه الدول لمواطنيها، وذلك عن طريق قيام الدولة بدعم
اسعار الطاقة من بنزين وسولار وكهرباء وغاز طبيعى وغيره، بحيث تقوم الحكومة بتسعير المحروقات بأسعار تقل عن سعر التكلفة
للطبقات الفقيرة.
دعم االإسكان
صورة اخرى من انواع الدعم العيني، ويتم بذلك بعدة أشكال منها الدعم الغير مباشر عن طريق تخفيض أسعار
الفائدة على القروض العقارية لمساعدة المواطن على الحصول على المسكن المناسب بتكلفة معقولة، أو بشكل مباشر كأن تقوم الدولة ببناء مساكن وبيعها للفئات المستهدفة بسعر مدعم أقل من سعر السوق.
الدعم النقدي
الدعم النقدي نوع من انواع الدعم حيث تقدم الدولة الأموال الى فئة معينة مستهدفة من ضمن
فئات المجتمع، وقد تكون هذه الأموال لتشجيع نوع معين من انواع الإستثمار كدعم
التصدير مثلا ، ويأخذ الدعم النقدي العديد من الأشكال
1- المساعدات
العائلية الخاصة الغير مشروطة
احد اشكال الدعم النقدي، وهى تهدف الى الحفاظ على حد أدنى من مستوى الدخل لكل أسرة ولكل طفل
جديد، والتى تمكن كل أسرة من أن تلحق أبنائها بالتعليم النظامي للدولة.
2- المساعدات الإجتماعية
النقدية
نوع اخر من انواع الدعم النقدي، والغرض منها ضمان مستوى دخل معين، بحيث لا يقع الفرد تحت خط الفقر كالإعانات التى تقدم للمعاقين وكبار السن من غير القادرين على العمل وبعض الأسر معدومة الدخل
مثلها مثل البرامج الإجتماعية الكثيرة تكافل وكرامة وغيرها.
3- التحويلات
النقدية المشروطة (Transfer Cash Conditional)
وهو اكثر انواع الدعم النقدي كفاءة، ويتم عن طريق تقديم الحكومات تحويلات نقدية مشروطة مثل ضرورة إلتحاق جميع
أطفال الأسر المستهدفة بالمدارس النظامية، أو بضرورة زيارة المستشفيات بصفة دورية،
والغرض من هذه الإعانات هو محاولة مكافحة ظاهرة التهرب أو التسرب من التعليم
وتحسين الأوضاع الصحية للأسر المستهدفة، وتحسين دخولهم.
4- برامج توليد
الدخل
نوع من انواع الدعم النقدي يتضمن العديد من الربامج الفرعية من أهمها برامج منح القروض الصغيرة
للفقراء لإستخدامها فى إقتناء الأصول وإنشاء مشاريع صغيرة تساعدهم على توليد دخل أو من خلال توفير فرص
عمل للفقراء فى المشروعات كثيفة العمالة كالبنية التحتية مثلا
بعد إستعراض أنواع الدعم المختلفة من دعم عيني ونقدي، نستطيع أن نقول أن كل دولة تختار نوع الدعم الذى يناسب ظروفها، او مزيج بين الدعم النقدي والعيني، والذى يمكنها من الوصول الى أثار إقتصادية مرغوب فيها تحقيقا لأكثر الأهداف أهمية فى المجتمع ألا وهى عدالة توزيع الدخل.
أهم عيوب نظام
الدعم العيني ( السلعي)
لو تكلمنا عن الدعم العيني او كما يطلق عليه الدعم السلعي وعيوبه فإنه يمكننا إجمالها فيما يلى:-
1- عدم وصول الدعم العيني لمستحقيه، حيث إن نظام الدعم هنا ينصب على السلعة وليس
دعم الفرد ، بما لا يضمن وصول هذا الدعم لمستحقيه، بل غالبا ما يحصل عليه المستحق
وغير المستحق مثل دعم المحروقات التى يحصل عليه الغنى قبل الفقير.
2- مع الزيادة السكانية الكبيرة تجد الدولة
نفسها مسئولة عن توفير السلع الأساسية بكميات كبيرة وإرتفاع قيمة الدعم عاما بعد عام، وما يترتب عليه من تكاليف
عالية للصوامع ومنافذ البيع والتخزين والتوزيع قد تفوق قدرة الدولة على تغطية إحتاجات الأسر
والأفراد.
3- وجود عدة
أسعار للسلع فى حالة الدعم العيني، أوجد نوع من التشوه فى تسعير السلع، إذ أن بعض السلع أصبح لها سعرين أحدهما منخفض فى البطاقات التموينية والأخر مرتفع بالأسواق، مما ترتب عليه تسرب
الكثير من السلع التموينية للأسواق وبيعها بالسعر الأغلى وعدم إستفادة المستحقين منها.
4- ضعف مستوى الاستهداف حيث لا يوجد تصنيف
واضح يمكن الاعتماد عليه فى تحديد طبقات الاستهداف طبقا لمستويات دخول الأفراد
سواء فى القطاع الحكومى أو الريفي أو القطاع الخاص، وبالتالى لا يمكن الوصول بدقه
لمستوى الدخل الذى يمكن أن يوصف من يقل عنه بأنه يستحق الدعم العيني (السلعي) والاستفادة من
نظام البطاقات التموينية أو بمعنى أخر عدم دقة تحديد مستحقى الدعم العيني.
5- الدعم العيني باستخدام البطاقات التموينية ثبت فشله فى كل دول
العالم، نظرا لعدم كفاءة نظام البطاقات التموينية فبعض حاملى البطاقات التموينية قد
لا يستخدمونها، كما أن هناك أفرادا فى بعض الأسر غير مدرجين على هذه البطاقات مثل الاطفال حديثى الولادة، ووجود
عدد كبير من المتوفين والمسافرين للخارج على نظام بطاقات التموين، عدم القدرة على تنقية
البطاقات أو مراجعتها كل فترة.
ولكل الأسباب السابقة، أصبحت الكثير من الدول تتحول من نظام الدعم
العيني الى الدعم النقدي المشروط، ومع ذلك مازال الإختيار بين الدعم العيني والدعم
النقدي يثير الكثير من اللغط حتى بين المتخصصين.
أراء الخبراء فى كل من الدعم العيني والدعم النقدي
إختلفت الأراء حول شكل منظومة الدعم التى تساهم فى تحقيق العدالة فى توزيع الدخل، فذهب البعض أن الدعم النقدي هو الأفضل لقدرته على الوصول الى مستحقيه، وكونه اداة فعالة لإعادة توزيع الدخل لصالح الفقراء.
وأنه يمكن مستحقى الدعم من الحصول على الأموال مع مطلق الحرية لهم فى شراء مايحتاجونه من السلع والخدمات، وأيضا لقدرته على تجنب تهريب السلع المدعمة الى السوق السوداء بواسطة مجموعة من المنتفعين، وإهدار مليارات الجنيهات من اموال الدولة.
كما إن الدعم النقدى يجنب السوق الكثير من التشوهات السعرية نتيجة وجود عدة أسعار مختلفة للسلعة الواحدة.
بينما يرى البعض أن الدعم العينى أفضل من حيث إنخفاض تكلفته المالية والإدارية نتيجة الشراء الموحد بكميات كبيرة مثلما يحدث فى القمح وغيره من السلع، بالإضافة الى قدرته على توفير السلع الأساسية بسعر منخفض.
كما أن الدعم النقدي إن لم تتم مراجعته كل فترة سوف يصبح غير ذات قيمة نتيجة معدلات التضخم المرتفعة، والتى ستؤدى الى تأكله مع الوقت، وبالتالى تقل درجة إستفادة الفقراء منه.
إلا أن التجارب الدولية والدراسات التي تناولت المفاضلة بين الدعم النقدي والدعم العيني توصلت إلى أن أفضل السبل لتحسين توزيع الدخل يكون من خلال تحسين أوضاع الفقراء وأن تحقيق ذلك يكون من خلال التركيز على برامج الدعم النقدي المشروط ليس فقط من الناحية المادية ولكن أيضا من حيث قدرته على تحسين الأوضاع الصحية والمستوى التعليمى لهذه الطبقة وزيادة قدرتها على مواجهة الظروف الطارئة من مرض وإعاقة وغيرها شريطة ان تراجع قيمة الدعم النقدي كل فترة زمنية لمواكبة مستويات التضخم الموجودة.
أنظمة الدعم فى مصر
يتبين مما سبق فشل نظام الدعم العيني وتحول الكثير من الدول الى الدعم
النقدي، وهو ما أعلنت عنه الحكومة المصرية منذ أيام لكن الأمر تثور حوله الكثير من
الخلافات، إذ أن الحكومة حتى تاريخه لم تضع تعريفا محددا لمن يستحق الدعم، وليس لديها
الدراسات الكافية لتحديد مبلغ الدعم المناسب والذى تراوح بين 1000 جم و 5000جم شهريا،
ولم تحدد مصير وزارة التموين أو هيئة السلع التموينية والى أين ستذهب.
أنا شخصيا مع إلغاء الدعم العيني والتحول الى الدعم النقدي، لكنى أعترض على التوقيت، الذى يأتى فى ظل معدلات تضخم تفوق 30% سنويا، وإنخفاض مستمر فى سعر العملة المحلية،.
وأخشى ما أخشاه ان تكون الحكومة دفعت دفعا الى مثل هذه الإجراءات لقرب مراجعة صندوق النقد الدولى فى شهر يونيو، أو بضغط من حالات الفساد فى وزارة التموين وهيئة السلع التموينية من مسئولين كبار كنا نحسبهم امناء على الوطن، فكانوا أول من يسرقونه، يعنى إجراء متسرع كالعادة من الحكومة دون طرحه للنقاش، أو دراسته دراسة جيدة متأنية.