سياسة الإغراق: سلاح ذو حدين يشق اقتصادات الدول
تعتبر سياسة الإغراق التجارى من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وهي عبارة عن بيع منتجات في أسواق أجنبية بأسعار أقل بكثير من سعر البيع في السوق المحلية للدولة المصدرة، أو حتى أقل من تكلفة الإنتاج، وتستهدف هذه السياسة عادةً إضعاف الصناعات المحلية في الدول المستوردة، وزيادة حصة السوق من المنتجات الأجنبية.
ورغم ان هذه الممارسات تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية وإتفاقيات التجارة الحرة وقوانين الممارسات غير المشروعة، إلا أنه للأسف هناك العديد من الدول التى تمارسها، وفي هذه المقالة، سنتناول بالتفصيل مفهوم الإغراق وآثاره السلبية على الاقتصادات الوطنية.
ما هو الإغراق التجاري؟
الإغراق هو ممارسة تجارية غير عادلة تقوم على تصدير منتجات بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج أو أقل من سعر البيع في السوق المحلية للدولة المصدرة، وذلك بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
- التخلص من فائض الإنتاج: عندما تنتج دولة كميات كبيرة من منتج معين تفوق الطلب المحلي، تلجأ إلى تصديره بأسعار منخفضة للتخلص من هذا الفائض.
- السيطرة على الأسواق: تسعى الدول المصدرة من خلال الإغراق إلى السيطرة على أسواق جديدة، وإضعاف المنافسين المحليين، وبالتالي تحقيق هيمنة على السوق.
- دعم الصناعات الناشئة: قد تلجأ بعض الدول إلى دعم صناعاتها الناشئة من خلال تصدير منتجاتها بأسعار منخفضة، بهدف اكتساب حصة سوقية أكبر على المدى الطويل.
ماهى رسوم مكافحة الإغراق؟
يقصد برسوم مكافحة الإغراق، هو فرض رسوم جمركية على المنتج المستورد "المغرق"، تعادل الفرق بين سعر بيعه في بلد المنشأ وسعره في الدولة المصدر لها، بما يحد من استيراد المنتج ويمنح فرصة عادلة للمنتج المحلى المماثل للمنافسة.
من يدفع رسوم مكافحة الإغراق؟
على عكس الرسوم الجمركية العامة والتى تطبق على جميع الواردات بغض النظر عن بلد المنشأ والمصدر، فإن رسوم مكافحة الإغراق تطبق على واردات من دولة محددة دون غيرها، ويقوم المستورد المسجل لدى السلطات المحلية بدفع هذه الرسوم.
آثار الإغراق السلبية على الاقتصاد
سياسة الإغراق لها آثاراً سلبية عميقة على الاقتصادات الوطنية، ويمكن تلخيص أهم هذه الآثار في النقاط التالية:
- الإضرار بالصناعات المحلية: يؤدي الإغراق إلى إضعاف الصناعات المحلية، وتقويض قدرتها على المنافسة، مما قد يؤدي إلى إغلاق المصانع وفقدان الوظائف، وزيادة معدلات البطالة.
- تآكل القاعدة الصناعية: مع استمرار الإغراق، تتآكل القاعدة الصناعية للدول المستوردة رويدا رويدا، مما يفقدها قدرتا الإنتاجية ويجعلها تعتمد بشكل أكبر على الواردات، مما يقلل من قدرتها على الإنتاج والذى يؤدى بدوره الى تدمير الصناعات المحلية وتدهور الإقتصاد.
- خسارة الإيرادات الحكومية: الإعتماد على الواردات يؤدي الى انخفاض الإنتاج المحلي، وزيادة الواردات يؤدى إلى انخفاض الإيرادات الحكومية من الضرائب المختلفة التى كان من الممكن تحصيلها من الناتج المحلى.
- تقويض المنافسة الشريفة: يشجع الإغراق على المنافسة غير المشروعة، ويؤدي إلى اختلال التوازن في السوق.
- تأثير سلبي على المستهلكين على المدى الطويل: على الرغم من أن الإغراق يؤدي إلى انخفاض الأسعار في المدى القصير، وبالطبع هذا فى صالح المستهلك الأخير، إلا أنه يؤدي على المدى الطويل إلى تقليل الخيارات المتاحة للمستهلكين، وزيادة سيطرة الشركات الأجنبية على السوق.
- تدهور مستوى المعيشة: يؤدي انخفاض الإنتاج المحلي وتدهور الأوضاع الاقتصادية إلى تدهور مستوى المعيشة للمواطنين.
سبل مواجهة الإغراق التجاري
لتجنب الآثار السلبية للإغراق، تتخذ العديد من الدول مجموعة من الإجراءات، منها:
- فرض رسوم جمركية وقائية: يتم فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات المستوردة بأسعار مغرقة، لتعويض الفرق بين سعر البيع في السوق المحلية وسعر البيع في السوق المستوردة، وهو ماحدث مرارا وتكرارا فى مصر أخرها فى يوليو 2023 حيث تم فرض رسوم إغراق على واردات حديد التسليح من الصين، وتركيا، وأوكرانيا لمدة 4 سنوات، بواقع 25% على واردات حديد التسليح والصلب، و15% على البليت (خام الحديد).
- وضع معايير جودة صارمة: يتم وضع معايير جودة صارمة للمنتجات المستوردة، لضمان سلامة المنتجات وحماية المستهلكين.
- التحقيقات المضادة للإغراق: تقوم الحكومات بإجراء تحقيقات لتحديد ما إذا كانت المنتجات المستوردة تباع بأسعار مغرقة، وإذا ثبت ذلك، يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
- التعاون الدولي: تعمل الدول على التعاون معاً لمكافحة الإغراق، من خلال وضع اتفاقيات دولية وتنسيق الجهود لمواجهة هذه الممارسة غير العادلة والتى تضر بالصناعات المحلية.
ماهى أساليب الإغراق الشائعة
تقوم الدول التى تمارس سياسة الإغراق بالعديد من الممارسات التى تمكنها من ذلك من خلال :-
1.
دعم الحكومة الصريح والضمني:
- الإعانات المباشرة: تقدم الحكومات الإعانات المالية للشركات المصدرة، مما يخفض تكاليف الإنتاج ويسمح لها بتقديم أسعار تنافسية منخفضة في الأسواق الخارجية.
- قروض بفوائد منخفضة: توفير الدولة قروض بفوائد منخفضة لشركاتها المصدرة، مما يقلل من تكاليف التمويل ويساعدها على المنافسة بأسعار أقل.
- توفير الطاقة بأسعار مخفضة: تقديم الطاقة الكهربائية والوقود للشركات المصدرة بأسعار أقل من الأسعار العالمية، مما يقلل من تكاليف الإنتاج.
2.
التلاعب بسعر الصرف:
- تثبيت سعر العملة: تعمل الدولة على تثبيت قيمة عملتها المحلية عند مستوى منخفض مقارنة بالعملات الأخرى، مما يجعل صادراتها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.
- التدخل في سوق الصرف: تتدخل الحكومة في سوق الصرف بشكل دوري لشراء أو بيع العملة الأجنبية، مما يؤثر على قيمة العملة المحلية ويمنح الشركات الوطنية المصدرة ميزة تنافسية.
3.
الإغراق الاجتماعي:
- أجور منخفضة: تستفيد الشركات من انخفاض الأجور في بعض الدولة النامية مقارنة بالدول المتقدمة، مما يقلل من تكاليف الإنتاج ويسمح لها بتقديم أسعار تنافسية.
- ظروف عمل غير آمنة: لا تلتزم بعض الشركات بمعايير السلامة والصحة المهنية، مما يقلل من تكاليف الإنتاج ولكنه ينتهك حقوق العمالن وكلنا يسمع بين الحين والخر إنهيار لبعض المناجم فى العديد من الدول مثل الصين.
4.
الإغراق الموسمي:
- زيادة الإنتاج في مواسم معينة: تقوم الشركات المغرقة بزيادة إنتاجها بشكل كبير في مواسم معينة، مما يؤدي إلى زيادة المعروض فى وقت محدد وتخفيض الأسعار.
- التخلص من الفائض الإنتاجي: يتم تصدير الفائض الإنتاجي بأسعار منخفضة للتخلص منه، مما يؤثر سلبًا على الأسواق العالمية.
قد يعجبك أيضا
السياسة النقدية والسياسة المالية بين التيسير والتشديد النقدى
الخاتمة
تعتبر سياسة الإغراق تهديداً خطيراً للاقتصادات الوطنية، وتتطلب جهوداً كبيرة لمواجهتها، حيث تتخذ الدول العديد من الإجراءات الحازمة مثل الرسوم الجركية الوقائية لحماية صناعاتها المحلية، وتعزيز المنافسة المشروعة والشريفة في الأسواق العالمية.
كما يجب المنظمات الدولية أن تلعب دوراً أكبر في مكافحة الإغراق، ومكافحة هذه الممارسات غير المشروعة لضمان تطبيق القواعد التجارية العادلة.